الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
80587 مشاهدة
الدفع من عرفة وقته وصفته

ثم يدفع بعد الغروب مع الإمام أو نائبه على طريق المأذمين إلى مزدلفة وفيما بين المأذمين إلى وادي محسر ويسن كون دفعه بسكينة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: أيها الناس، السكينة السكينة ويسرع في الفجوة؛ لقول أسامة رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص أي: أسرع؛ لأن العنق انبساط السير، والنص فوق العنق.


بعدما غربت الشمس وتحقق الغروب، وقبل أن يصلُّوا أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الانصراف من عرفة متوجهين إلى مزدلفة وحدود مزدلفة أنها: ما بين المأذمين إلى وادي محسر والمأذمين الجبلان المحيطان بمزدلفة من جهة الشرق. ففيه: أنه لما انصرف كان الناس كثيرا، كلهم انصرفوا مرة واحدة وحصل زحام شديد، كانوا نحو مائة وأربعين ألفا من الحجاج مع النبي صلى الله عليه وسلم.
لا شك أنهم يحتاجون إلى مكان فسيح، فسيرهم على طريق واحد يحصل زحام، تزاحم، فكان ينادي بصوته: أيها الناس، السكينة السكينة يعني: لا تتزاحموا ولا يضر بعضكم بعضا، ولا تسرعوا. يحبون الإسراع حتى يريحوا رواحلهم؛ لكونهم رحلوها قبل الظهر أو وقت الظهر ولما تزل برحلها إلى أن يضع هدؤ من الليل نحو ساعتين أو ساعتين ونصف من أول الليل، ولا شك أنها قد سئمت وهم أيضا قد سئموا وتعبوا، فيحبون أن يريحوا أنفسهم؛ فلذلك كانوا يسرعون وكان يحثهم على السكينة، لكنه إذا وجد متسعا أسرع.
ذكر جابر في حديثه الطويل: أنه صلى الله عليه وسلم كان على ناقته التي تسمى القصواء، وقد شنق لها زمامها يعني: أنه يخشى أنها تسرع فهو قد أمسك بخطامها، وقد شنقه بمعنى اجتذبه حتى قرب من الرحل حتى تهدأ ولا تسرع وكان يسيق يسير العنق يعني: انبساط السير سيرا مستويا، وقد لوى عنق راحلته حتى لا تسرع، فإذا وجد فجوة نصَّ، يعني: أسرع، إذا وجد متسعا وفرجة أسرع، وكذلك كلما أتى ..حبلا من ..الحبال يعني: الكثب الرملية، كلما أتى كثيبا أرخى لها قليلا حتى تصعد وهكذا، وفي أثناء طريقه قبل أن يدخل عرفة أناخ راحلته وتبرَّز وتوضأ وضوءا خفيفا، فقال له أسامة: الصلاة يا رسول الله فقال: الصلاة أمامك ولما انتهى نزل بمزدلفة ثم بادر بالصلاة. نعم.